سورة يوسف - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


تقدم القول في فواتح السور، و{الكتاب} القرآن، ووصفه ب {المبين} قيل: من جهة أحكامه وحلاله وحرامه، وقيل: من جهة مواعظه وهداه ونوره، وقيل: من جهة بيان اللسان العربي وجودته إذ فيه ستة أحرف لم تجتمع في لسان- روي هذا القول عن معاذ بن جبل- ويحتمل أن يكون مبيناً لنبوة محمد بإعجازه.
والصواب أنه {مبين} بجميع هذه الوجوه. والضمير في قوله: {أنزلناه} ل {الكتاب}، والإنزال: إما بمعنى الإثبات، وإما أن تتصف به التلاوة والعبارة؛ وقال الزجاج: الضمير في {أنزلناه} يراد به خبر يوسف.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وقوله: {لعلكم} يحتمل أن تتعلق ب {أنزلناه} أي أنزلناه لعلكم، ويحتمل أن تتعلق بقوله: {عربياً} أي جعلناه {عربياً لعلكم تعقلون}، إذ هو لسانكم. و{قرآناً} حال، و{عربياً} صفة له، وقيل: إن {قرآناً} بدل من الضمير- وهذا فيه نظر- وقيل: {قرآناً} توطئة للحال و{عربياً} حال، وهذا كما تقول: مررت بزيد رجلاً صالحاً، وقوله: {نحن نقص عليك} الآية، روى ابن مسعود أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا: لو قصصت علينا يا رسول الله، فنزلت هذه الآية، ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: لو حدثتنا يا رسول الله، فنزلت {الله نزل أحسن الحديث كتاباً} [الزمر: 23].
و {القصص}: الإخبار بما جرى من الأمور، كأن الأنباء تتبع بالقول، وتقتص بالأخبار كما يقتص الآخر، وقوله: {بما أوحينا إليك} أي بوحينا. و{القرآن} نعت ل {هذا}، ويجوز فيه البدل، وعطف البيان فيه ضعيف. و{إن} هي المخففة من الثقيلة واللام في خبرها لام التأكيد- هذا مذهب البصريين- ومذهب أهل الكوفة أن {إن} بمعنى ما، واللام بمعنى إلا. والضمير في {قبله} للقصص العام لما في جميع القرآن منه. و{من الغافلين}، أي عن معرفة هذا القصص. ومن قال: إن الضمير في {قبل} عائد على {القرآن}، جعل {من الغافلين} في معنى قوله تعالى: {ووجدك ضالاً فهدى} [الضحى: 7] أي على طريق غير هذا الدين الذي بعثت به، ولم يكن عليه السلام في ضلال الكفار ولا في غفلتهم لأنه لم يشرك قط، وإنما كان مستهدياً ربه عز وجل موحداً، والسائل عن الطريق المتخير يقع عليه في اللغة اسم ضال.


العامل في {إذ} فعل مضمر تقديره: اذكر {إذ} ويصح أن يعمل فيه {نقص} [يوسف: 3] كأن المعنى: نقص عليك الحال {إذ} وحكى مكي أن العامل فيه {لمن الغافلين} [يوسف: 3]، وهذا ضعيف.
وقرأ طلحة بن مصرف {يؤسَف} بالهمز وفتح السين- وفيه ست لغات: {يُوسُف} بضم الياء وسكون الواو وبفتح السين وبضمها وبكسرها وكذلك بالهمز. وقرأ الجمهور {يا أبتِ} بكسر التاء حذفت الياء من أبي وجعلت التاء بدلاً منها، قاله سيبويه، وقرأ ابن عامر وحده وأبو جعفر والأعرج: {يا أبتَ} بفتحها، وكان ابن كثير وابن عامر يقفان بالهاء؛ فأما قراءة ابن عامر بفتح التاء فلها وجهان: إما أن يكون: {يا أبتا}، ثم حذفت الألف تخفيفاً وبقيت الفتحة دالة على الألف، وإما أن يكون جارياً مجرى قولهم: يا طلحة أقبل، رخموه ثم ردوا العلامة ولم يعتد بها بعد الترخيم، وهذا كقولهم: اجتمعت اليمامة ثم قالوا: اجتمعت أهل اليمامة، فردوا لفظة الأهل ولم يعتدوا بها، وقرأ أبو جعفر والحسن وطلحة بن سليمان: {أحد عْشر كوكباً} بسكون العين لتوالي الحركات، ويظهر أن الاسمين قد جعلا واحداً.
وقيل: إنه قد رأى كواكب حقيقة والشمس والقمر فتأولها يعقوب إخوته وأبويه، وهذا قول الجمهور، وقيل: الإخوة والأب والخالة لأن أمه كانت ميتة، وقيل إنما كان رأى إخوته وأبويه فعبر عنهم بالكواكب والشمس والقمر، وهذا ضعيف ترجم به الطبري، ثم أدخل عن قتادة والضحاك وغيرهما كلاماً محتملاً أن يكون كما ترجم وأن يكون مثل قول الناس، وقال المفسرون: {القمر} تأويله: الأب، و{الشمس} تأويلها: الأم، فانتزع بعض الناس من تقديمها وجوب بر الأم وزيادته على بر الأب، وحكى الطبري عن جابر بن عبد الله أن يهودياً يسمى بستانة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن أسماء الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل عليه السلام فأخبره بأسمائها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي، فقال: «هل أنت مؤمن إن أخبرتك بذلك؟ قال: نعم، قال: حربان، والطارق، والذيال، وذا الكنفان، وقابس، ووثاب، وعمودان والفيلق، والمصبح، والضروح، وذو الفرغ، والضياء، والنور» فقال اليهودي: أي والله إنها لأسماؤها.
وتكرر {رأيتهم} لطول الكلام وجرى ضمائر هذه الكواكب في هذه الآية مجرى ضمائر من يعقل إنما كان لما وصفت بأفعال هي خاصة بمن يعقل.
وروي أن رؤيا يوسف كانت ليلة القدر ليلة جمعة، وأنها خرجت بعد أربعين سنة، وقيل: بعد ثمانين سنة.


تقتضي هذه الآية أن يعقوب عليه السلام كان يحس من بنيه حسد يوسف وبغضته، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن يشعل بذلك غل صدورهم، فيعملوا الحيلة على هلاكه، ومن هنا ومن فعلهم بيوسف- الذي يأتي ذكره- يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء في ذلك الوقت. ووقع في كتاب الطبري لابن زيد: أنهم كانوا أنبياء؛ وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنياوي وعن عقوق الآباء وتعريض مؤمن للهلاك والتوافر في قتله.
ثم أعلمه: {إن الشيطان للإنسان عدو مبين} أي هو يدخلهم في ذلك ويحضهم عليه.
وأمال الكسائي {رؤياك}، والرؤيا حيث وقعت وروي عنه: أنه لم يمل: {رؤياك} في هذه السورة وأمال الرؤيا حيث وقعت، وقرأ {روياك} بغير همز- وهي لغة أهل الحجاز- ولم يملها الباقون حيث وقعت.
و الرؤيا مصدر كثر وقوعه على هذا المتخيل في النوم حتى جرى مجرى الأسماء كما فعلوا في الدر في قولهم: لله درك فخرجا من حكم عمل المصادر وكسروها رؤى بمنزلة ظلم، والمصادر في أكثر الأمر لا تكسر.
وقوله: {وكذلك يجتبيك} الآية، ف {يجتبيك} معناه: يختارك ويصطفيك، ومنه: جبيت الماء في الحوض، ومنه: جباية المال، وقوله: {ويعلمك من تأويل الأحاديث} قال مجاهد والسدي: هي عبارة الرؤيا. وقال الحسن: هي عواقب الأمور. وقيل: هي عامة لذلك وغيره من المغيبات. وقوله: {ويتم نعمته} يريد النبوءة وما انضاف إليها من سائر النعم. وقوله: {آل يعقوب} يريد في هذا الموضع الأولاد والقرابة التي هي من نسله، أي يجعل فيهم النبوءة، ويروى أن ذلك إنما علمه يعقوب من دعوة إسحاق له حين تشبه له بعيصو- والقصة كاملة في كتاب النقاش لكني اختصرتها لأنه لم ينبل ألفاظها وما أظنه انتزعها إلا من كتب بني إسرائيل، فإنها قصة مشهورة عندهم، وباقي هذه الآية بيّن. والنعمة على يوسف كانت تخليصه من السجن وعصمته والملك الذي نال؛ وعلى {إبراهيم} هي اتخاذه خليلاً؛ وعلى {إسحاق} فديته بالذبح العظيم، مضافاً ذلك كله إلى النبوءة. و{عليم حكيم} مناسبتان لهذا الوعد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8